في خضمّ التجاذبات الدولية حول الملف النووي الإيراني، تبرز قصة مثيرة للجدل تُجسّد ممارسات ابتزاز النووي الأوروبي و سلوك الغرب المُريبة ونفاقه المُقيت.
ابتزاز النووي الأوروبي و معاییر الغرب المزدوجة!
فمن جهة، نرى مليارديرة إسرائيلية-أمريكية تُقدم رشوة مالية للمرشح الجمهوري ترامب مقابل ضمّ الضفة الغربية لإسرائيل، وكأنّ العالم بأسره مزرعة أمريكية تُباع وتُشترى.
ومن جهة أخرى، نشهد انحيازًا واضحًا من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية لصالح الغرب الذي أدى الى تسميته من قبل البعض بـ ابتزاز النووي الأوروبي، ممّا يُثير تساؤلات حول حياديتها ومصداقيتها في التعامل مع الملف النووي الإيراني.
فمن منظور الغرب المُشوّه، يُعتبر العالم بستانًا خاصًا به، ولا يحقّ لأيّ دولة أن تخرج عن فلكه أو تُعارض سياساته. فإذا سعى بلد ما، مثل إيران، إلى التحرّر من هيمنة الغرب وتحقيق سيادته، يتعرّض لمختلف الضغوطات والتهديدات والمؤامرات لإعادته إلى بيت الطاعة.
المنظمات الدولية تأسست لخدمة الغربيين!
وتُعدّ المنظمات الدولية، التي تأسّست في الأصل لخدمة مصالح الغرب، أداةً فعّالة في هذا المخطط. فعندما تُصدر جهات مثل المحكمة الجنائية الدولية أو محكمة العدل الدولية أحكامًا تُدين مجرمي الحرب الإسرائيليين، أو تطالب بمحاسبة “إسرائيل” على جرائمها في غزة، يقف الغرب في وجهها رافضًا ومُهدّدًا.
ابتزاز النووي الأوروبي يتمثل اليوم في هذه المنظمة الدولية، تُستخدم الوكالة الدولية للطاقة الذرية اليوم كسلاح لابتزاز إيران وحرمانها من حقوقها المشروعة.
فبعد أن أغلقت الوكالة جميع الملفات المفتوحة ضد إيران عام 2015 إثر توقيع الاتفاق النووي، عادت أدراجها بعد انسحاب الولايات المتحدة منه عام 2018، واتّخذت موقفًا مُعاديًا لإيران.
استنادات مزورة اسرائيلية!
وتستند تقارير الوكالة المُتحيّزة إلى أكاذيب تُروّجها “إسرائيل”، والتي كانت سببًا رئيسيًا لانسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق، كما اعترف نتنياهو نفسه.
إنّ هذه الممارسات تُظهر بوضوح زيف ادّعاءات الغرب حول الديمقراطية والعدالة وسيادة القانون. ففي لعبة الأمم هذه، تُصبح الحقوق أداةً للمساومة، والعدالة ميزانًا مُختلًا، والقوانين سلاحًا يُشهر في وجه من يُعارض مصالح الغرب.
أمريكا تنسحب و ايران تُحاسَب!
صبرًا جميلًا! هكذا واجهت إيران انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، مُمنحةً الدول الأوروبية أكثر من عام لتعويضها عن الخسائر التي لحقت بها. لكنّ صبر إيران لم يُثمر، فما كان من بُدّ سوى البدء بتقليص التزاماتها تدريجياً، وفقًا لقانون العمل الاستراتيجي لرفع العقوبات المُقرّ من قبل البرلمان.
ولكن، المفارقة تكمن في أنّ جميع تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومديرها العام رافائيل غروسي على وجه الخصوص، تستند إلى اتفاق لم تعد له أيّة قيمة على أرض الواقع. فانسحبت منه الولايات المتحدة، ولم تلتزم به الدول الأوروبية، بينما تُصرّ الوكالة على مطالبة إيران بالالتزام بنصوصه كاملةً، وكأنّ شيئًا لم يتغير!
مطالب من دون حساب!
يُطالب غروسي إيران، دون كلل أو ملل، بوقف زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم وحجمه عن المستوى المحدد في الاتفاق، والسماح بنفس عدد المفتشين والزيارات المفاجئة ونصب الكاميرات كما كان مُتفقًا عليه. وكأنّه لا يعلم أنّ لا الولايات المتحدة ولا أوروبا تُبدي أيّ اهتمامٍ بالالتزام ببنود الاتفاق.
ويبدو أنّ الثلاثي الأوروبي، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، قد رأى في خضمّ الانتخابات الرئاسية الإيرانية فرصةً للضغط على طهران. فقد أعدّ مشروع قرار ينتقد بشدة تعاونها مع الوكالة الدولية، ويعتزم طرحه على اجتماع حكام الوكالة. مشروع قرار وقح يتجاهل تمامًا حقيقة أنّ إيران لا تزال ملتزمة بالاتفاق، وفقًا للمادتين 26 و36، اللتان تُتيحان لها تقليص بعض التزاماتها دون خرقه، في حال تخلت الأطراف الأخرى عن تعهداتها.
المصدر: قناة اللؤلؤة