ثمن التعبير عن الرأي في البحرين لايزال باهض للغاية. مرّ شهران تقريباً على صدور العفو الملكي الذي أفرج بموجبه عن نصف المعتقلين السياسيين في البحرين.

ثمن التعبير عن الرأي في البحرين

وها أنّ المعارضة تسعى جاهدةً للمضي قدمًا، بتعاطٍ إيجابي مع هذه التطورات المفاجئة، دون أن يعني ذلك التخلي عن مطالبها السياسية أو التفريط بها و هذه تجعل التعبير عن الرأي في البحرين أمر يشابه السهل!

يُشكل ثمن التعبير عن الرأي في البحرين حبلًا مشدودًا تسير عليه المعارضة (بمعظمها). فمن جهة، تحرص على تجنب أيّ خطوة قد تُعكّر الأجواء وتُغلق أيّ فرصة للإفراج عن باقي المعتقلين السياسيين. ومن جهة أخرى، تُقاوم إرسال أيّ إشارات استسلام أو هزيمة، استعدادًا لما هو آتٍ من استحقاقات بعد إفراغ السجون.

رسائل مُلتبسة من الجانب الرسمي

في المقابل، لم يكن موقف الجانب الرسمي مُتماشيًا تمامًا مع مساعي المعارضة لجعل التعبير عن الرأي في البحرين أمرا سهلا. فقد أرسل رسائل مُلتبسة وغير واضحة، تمثلت في:

  • تغيير نهج التعاطي مع ملف العلاقات مع إيران: أعلن الجانب الرسمي بشكل صريح عن رغبته في وساطة روسية لإنهاء القطيعة مع إيران، مُتذرعًا بعدم وجود أيّ مشاكل مع الجارة.

يُمثّل هذا التغيير تخلّيًا عمليًا عن سردية اتُبعت لثلاثة عشر عامًا، والتي اتهمت إيران باحتضان المعارضة والتدخل في شؤون البحرين والسعي لزعزعة استقرارها.

  • التعامل الأمني الصارم مع فعالية تأبين: واجهت فعالية تأبين لرجال دين شيعة، دعت إليها كبار علماء الطائفة الشيعية في البحرين، تعاملًا أمنيًا صارمًا. تمثّل ذلك في ممارسة التهديد ضدّ مأتم السنابس الذي كان سيحتضن هذه الفعالية.

يعيد هذا التصرف ذاكرة البحرينيين إلى الأعوام الماضية، حين كان الحل الأمني هو السائد في التعاطي مع مثل هذه الأحداث.

يُواجه كلا الجانبين، المعارضة والحكومة، تحدياتٍ جمة في هذه المرحلة. فالمعارضة تسعى للمضي قدمًا في مسارها الإصلاحي دون التخلي عن مطالبها، بينما تسعى الحكومة إلى إعادة بسط سيطرتها وتثبيت سلطتها.

تصاعد قمعي يُهدد مسار الانفراج السياسي في البحرين

كان يمكن لتصرّفٍ اعتياديّ كالتعبير عن الغضب الشعبي إثر مجزرة رفح، أن يمرّ دون أيّ تداعيات لولا سياسة القمع المُفرط التي انتهجتها السلطات.

فقد واجهت قوات الأمن المحتجين السلميين الذين خرجوا للتنديد بالكيان الصهيوني والولايات المتحدة، بيدٍ من حديد، مُرسلةً رسالةً مفادها أنّ الحل الأمني ما زال هو السائد، وأنّ سياسة القمع ما زالت تُسيطر على المشهد.

تشديد القيود على المعتقلين في سجن جو

ولم تقتصر ممارسات القمع على الشوارع، بل طالت أيضاً سجن جو سيّئ السمعة. ففي خطوةٍ تصعيديةٍ جديدة، قامت إدارة السجن بفرض إجراءاتٍ قاسيةٍ على السجناء المعتصمين، شملت نقل أيّ سجينٍ يغادر المبنى إلى مبنى آخر دون السماح له بالعودة.

وأدّت هذه الإجراءات، التي بدأ تطبيقها منذ 28 مايو 2024، إلى تفاقم التوتر داخل السجن، حيث يُخشى المعتقلون من مغادرة المبنى خوفًا على سلامتهم. ونقلت جمعية الوفاق المعارضة عن بعض المعتقلين قولهم إنّ “عددًا من المعتقلين نُقلوا إلى عيادة السجن ولم يتم إرجاعهم حتى اللحظة”.

رسائل مُتناقضة من السلطة

تأتي هذه التطورات المُقلقة في الوقت الذي تُرسل فيه السلطة رسائلٍ إيجابيةٍ تُبشّر بقرب انفراجٍ سياسيٍّ في البلاد، ووضع الخلافات على طاولة حوارٍ بينها وبين المعارضة.

ولكنّ ممارسات القمع على الأرض تُثير الشكوك حول نوايا السلطة، وتُعيد إلى الأذهان صراعات الماضي بين “جناحي الصقور والحمائم” داخلها.

فبعد 13 عامًا من سياسة القمع التي لم تُثمر سوى المزيد من التوتر والاحتقان، بات من الواضح أنّ الحل الأمنيّ قد فشل ذريعًا، وأنّ الوقت قد حان لِاعتماد نهجٍ جديدٍ يُؤسّس لحوارٍ جادٍّ يُفضي إلى حلولٍ سياسيةٍ حقيقية.

خياران أمام السلطة

أمام السلطة خياران لا ثالث لهما: إمّا أن تُكمل مسار “الاستدارة السياسية” التي بدأتها قبل شهرين، وإمّا أن تعود إلى سياسة القمع الفاشلة التي جرّبتها لسنواتٍ طويلة دون جدوى.

وحده خيار الحوار والانفتاح هو الكفيل بِإنقاذ البحرين من الأزمات المُتراكمة، وتحقيق آمال شعبها في مستقبلٍ أفضل.

المصدر: قناة اللؤلؤة

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version